١٤٢٨/٠٢/٠٥

لطوارق: يوم للسلام.. وآخر للحرب










الطوارق: يوم للسلام.. وآخر للحرب
وافقوا على تسليم أسلحتهم في مالي.. وأعلنوا تمردا جديدا في النيجر
كيدال (شمال مالي): عمر الأنصاري تتجه الأنظار في منطقة الطوارق (شمال جمهورية مالي) نحو اجتماع للمانحين من المزمع عقده بداية شهر مارس (آذار) المقبل، من شأنه أن يضع حدا للأزمة بين طوارق مالي وحكومتهم. بعد تعثر تنفيذ بنود الاتفاقية الأخيرة الموقعة بين الثوار الطوارق وحكومتهم في يوليو (تموز) الماضي. والقاضية بتنمية أقاليم الشمال، ودمج الثوار الطوارق في الجيش الوطني. وهي ثالث اتفاقية من نوعها توقع بين الطوارق ومالي منذ عام 1991م .. دون أن ينفذ منها شيء. ومن المنتظر أن يلتئم حول الطاولة المستديرة التي من المقرر أن يرأسها الرئيس المالي أمادو توماني توري في مدينة كيدال (أكبر معقل للطوارق) عدد المانحين والمؤسسات الدولية التي قررت المساهمة في إنهاء أزمة الطوارق عبر برامج تنموية، وإنشاء برامج كفيلة بنزع فتيل التمرد الذي تعيشه المنطقة منذ ثلاثة عقود مضت. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الدعوة وجهت إلى الأطراف الدولية المشاركة، وعلى رأسها السوق الأوروبية المشتركة، ولكسمبورج، والجزائر، ومنظمات التنمية الدولية والمجتمع المدني المختلفة التي قررت التدخل للعب دور في المنطقة. ومن المتوقع أن تنضم ليبيا إلى الاجتماع بعد أن أصبحت أحد أهم الفاعلين في منطقة الطوارق، بعد برنامج التنمية الذي بدأت في تنفيذه منذ عامين في مناطق الطوارق في مالي والنيجر وتوقف في مالي بسبب الثورة الأخيرة في مايو (أيار) من العام الماضي، وحمل ليبيا على إغلاق قنصليتها في كيدال. وأكد رئيس لجنة التنمية والتعاون البشري بالسوق الأوروبية المشتركة لويس ميشيل الذي زار المنطقة أخيرا مشاركة السوق الأوروبية في الاجتماع، مؤكدا أن المشاركة ستكون فعالة، وأن الاتحاد الأوروبي سيدعم كل الأعمال التي تنشأ عن حوار داخلي سلمي. ويسود تفاؤل حذر في أوساط الطوارق في مالي، بعد نجاح مفاوضات قادها برلمانيون من الطوارق وشخصيات مستقلة في الحكومة المالية أسفرت عن موافقة الثوار على تسليم أسلحتهم في 26 مارس (آذار) المقبل بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لـ«شعلة السلام» في تمبكتو التي وضعت الحد لثورة التسعينيات الدموية. وذلك، بعد موافقة السلطات المالية دمج 600 من أفراد الثوار الطوارق في الجيش وفي قطاعاتها الأمنية المختلفة. وهي خطوة مشجعة للجميع كفيلة بنزع فتيل التمرد الأخير وعودة جميع المقاتلين الطوارق للمجتمع المدني.. ليحل الحوار المفتوح مع قادة الثوار بقية القضايا العالقة. وتعد منطقة الطوارق شمال مالي، من أكثر مناطق البلاد المتضررة، إذ لم تدشن فيها أية بنية تذكر منذ مغادرة الاستعمار الفرنسي للمنطقة عام 1962م، كما شهدت إهمالا وتهميشا كبيرين على يد الحكومات المالية السابقة، وشهدت عدة ثورات واحتجاجات قمعت كلها بالسلاح.. وراح ضحيتها آلاف القتلى المدنيين من الطوارق حينها. ويركز الطوارق في مطالبهم الحالية على خلق بنية أساسية تضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم في أقاليمهم الثلاثة (كيدال، غاوا، تمبكتو) وتمكنهم من تطوير حياتهم وتفعيل مجتمعاتهم المعزولة عن الحياة المدنية. وأهم تلك المطالب مد طرق للمواصلات بين الأقاليم الثلاثة، إذ لا توجد أية طرق معبدة بين مدنهم وقراهم، وتوفير مياه صالحة للشرب، ومستوصفات، ومدارس، ومعاهد تدريب مهني، إضافة إلى تمكينهم من الاندماج الكامل في المؤسسات الرسمية للدولة أسوة بإخوتهم الماليين. وبناء بنية سياحية تمكن آلاف السياح الراغبين في زيارة المنطقة من الوصول إليها. وهي مطالب ترد الحكومة المالية عدم تنفيذها إلى ضعف الإمكانيات المادية للدولة المالية المصنفة من بين أفقر دول العالم. وهو ما دعا بعض الأوساط الطارقية ـ في وقت سابق ـ إلى طرح فكرة الحكم الذاتي في مناطقهم في حالة عدم قدرة مالي على تنميتها، ليتمكنوا من جلب التنمية عبر أصدقائهم في العالم بشكل مباشر، وهو ما ترفضه الحكومة المالية التي تتهم الطوارق بالنزعة الانفصالية. وتعقد المنطقة كل آمالها الآن، على اجتماع المانحين، وعلى دور الجيران وعلى رأسهم الجزائر الراعي الدائم لمفاوضات السلام بين الطوارق وحكوماتهم، وليبيا التي بدأت في تنفيذ برامج تنموية من المنتظر أن تساعد في استقرار السكان. وتعيش المنطقة على وقع تحركات دولية تبحث عن لعب دور في المنطقة بعد أن أصبحت الصحراء مرتعا لعدد من الجماعات الإسلامية المسلحة وعلى رأسها «الجماعة السلفية للدعوة والجهاد» التي تمتد نشاطاتها إلى مناطق الطوارق، والتي أعلنت انضمامها رسميا للقاعدة وغيرت مسماها إلى «تنظيم القاعدة لدول المغرب الإسلامي».
وهو نشاط تخشى الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية أن يجلب للتنظيم مزيدا من المتعاطفين في منطقة الطوارق المحبطة سياسيا. وقد استطاعت أمريكا خلق تواجد أمني كثيف في الصحراء عبر إنشاء مراكز نشطة لمراقبة تحركات الجماعات المسلحة التابعة للقاعدة في كل من مالي والنيجر والجزائر وموريتانيا. ويقر مراقبون في المنطقة أن المسمى الجديد للتنظيم يحمل رغبة جامحة من القاعدة لكسب أنصار خارج منطقة المغرب العربي، تعزز بهم القاعدة وجودها في منطقة الغرب الأفريقي ذات المجال المفتوح، والتي تعتقد الولايات المتحدة بوجود متعاطفين فيها مع تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن. وعقد أخيرا في العاصمة السنغالية دكار اجتماع أمني للدول المتاخمة للصحراء بغية وضع إستراتيجية متكاملة لما يعتقد أنه يهدد استقرار المنطقة.
وينذر عدم حل دائم لقضية الطوارق بتفجر دائم للأوضاع في المنطقة، ففيما تسعى مالي حاليا لإنهاء التمرد الأخير، شهد الأسبوع الأول من الشهر الجاري هجوما جديدا لبعض الفصائل الطوارقية في منطقة «ايفروان» و«كاورا» شمال النيجر تطلق إحداها على نفسها «الجبهة النيجرية من أجل العدالة MNJ»، والثانية «الحركة الثورية لتحرير الصحراء (FARS)» احتجاجا على عدم وفاء النيجر بتطبيق اتفاقيات سلام وقعت عام 1995. وتم الاستيلاء في الهجوم على أحد معسكرات الجيش وأسفر عن مقتل 3 أشخاص، وتهدد هذه الفصائل بعمليات ضد أعمال التنقيب التي تقوم بها عدد من الشركات النفطية شمال النيجر. وتلجأ هذه التنظيمات إلى التهديد باختطاف الأجانب داعية إلى توزيع عادل لموارد المنطقة، وإلى إدماجهم في المؤسسات الرسمية في الدولة النيجرية، وتقتدي في أعمالها بالحركات الجديدة الناشئة في دلتا النيجر في نيجيريا. يذكر أن هذه المجموعات هي ذاتها التي قامت الصيف الماضي باختطاف عدد من السياح الإيطاليين أسفر تدخل ليبي عن فك أسرهم. هذه التحركات هي التي دعت الولايات المتحدة إلى اعتبار منطقة الصحراء منبتا محتملا للإرهاب ومستقرا للجماعات المسلحة، فيما تحرص كل من مالي والنيجر على استتباب الأمن لمباشرة أعمال التنقيب عن النفط التي بدأت في صحراء الطوارق. ووقعت الحكومة المالية بداية شهر فبراير(شباط) الجاري اتفاقا مع شركة «سوناتراك» الجزائرية النفطية لبدء أعمال التنقيب في حقل «تودني» شمال البلاد.
بدورها، ترى الجزائر التي تحتل قبائل الطوارق جنوبها، أن بلاد الطوارق منطقة قلاقل يجب أن تبقى تحت المجهر الأمني على الدوام، بسبب الاحتكاك الدائم بين الطوارق في مالي والنيجر «ذوو النزعة الثورية» مع الطوارق الجزائريين، إضافة إلى تحول الشريط الحدودي بين الدول الثلاث إلى مجال لمهربي البضائع (التبغ، والأسلحة، والمخدرات، والمواد الغذائية) وممرا للجماعات الإسلامية المسلحة. بينما ترى ليبيا المتهمة من قبل جارتها الجزائر «باهتمامها المتزايد بالطوارق» ضرورة استقرار سكان المنطقة التي أًصبحت «طاردة لأهلها» بسبب الجفاف وانعدام البنية الأساسية للمجتمع الطارقي، وهو ما دعا الزعيم الليبي معمر القذافي الذي يرى أن مشكلة الطوارق في الصحراء مشكلة تنموية لشعب يسعى إلى خلق تواصل تحول الحدود دونه، إلى إعلان مشروع تنمية في مناطق الطوارق في مالي والنيجر وصف حينها بـ «مشروع مارشال» في الصحراء العام الماضي بعد زيارة قام بها العقيد القذافي لمدينة تمبكتو، وإطلاقه لـ«ميثاق تمبكتو» الذي دعا فيه إلى «التنمية من أجل السلام». إلا أن قيام الثورة الأخيرة التي أثارت الزعيم الليبي حال دون تنفيذ المشروع بالكامل.
وقد رفعت مجموعة من قيادات «أزواد» (إقليم الطوارق في مالي) برقية اعتذار للزعيم الليبي ديسمبر (كانون الأول) الماضي تدعوه فيها إلى إعادة المشروع الأمل، معتذرة عن قيام تمرد من إخوتهم حال دون تنفيذه. وتستقطب منطقة الطوارق الزعيم الليبي الذي استقبلت بلاده منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، آلاف المهاجرين الطوارق القادمين من مالي والنيجر بعد إعلان رفع قيود التأشيرات عنهم. وقررت الحكومة الليبية في جنوبها الذي تقطنه قبائل الطوارق تنفيذ مشاريع توطين ودمج للطوارق الماليين والنيجريين مع إخوتهم الطوارق الليبيين. وهو نزيف هجرة لا يكاد يتوقف قررت معه الحكومة الليبية تنفيذ مشاريع للطوارق في مالي والنيجر تساعدهم على الاستقرار في صحرائهم. وقال المسئول الليبي المكلف بملف الطوارق في مالي والنيجر «للشرق الأوسط» أن حكومة بلاده نفذت بالفعل عدة مشاريع في مناطق الطوارق في مالي والنيجر. وقال موسى الكوني الذي يشغل أيضا منصب القنصل الليبي في مالي: إن أهم المشاريع التي تنفذ الآن في مناطق الطوارق، تشمل توسيع مطار تمبكتو الذي تعول الحكومة المالية في تشغيله إلى تعزيز السياحة في المنطقة، وإقامة قنال في تمبكتو أيضا لضخ مزيد من مياه نهر النيجر إلى منطقة الطوارق لتعزيز مشاريع الاستيطان والبنية الزراعية، إضافة إلى مشاريع في مجالات الصحة والتعليم والزراعة في أقاليم تمبكتو، وغاوا، وكيدال (شمال مالي) واقليم اغدز (شمال النيجر).
وقال الكوني: إن ليبيا قررت أيضا ضخ مبالغ استثمارية ضخمة في مالي والنيجر تأمل من خلالها مساعدة حكومات المنطقة من تحسين أوضاعها الاقتصادية. ويعتقد محللون أن ما ينظر إليه كسباق ليبي جزائري في المنطقة جعل المغرب الذي يحظى بتبعية دينية واسعة في المنطقة ينظر بعين الاعتبار لمسرح الأحداث والتقلبات السياسية في الصحراء في ظل اهتمامه بإنهاء الصراع القائم في الصحراء الغربية.. وبتأكيد دوره وتأثيره التاريخي في منطقة ظلت تبعيتها للعرش العلوي حتى دخول الاستعمار. وتصطدم مصلحة كثير من العرب والطوارق في المنطقة مع بعض هذه المصالح، حيث الرغبة الكبيرة من قبل سكان الصحراء بترك المجال الحدودي مفتوحا بين دولهم (مالي، النيجر، الجزائر، ليبيا ) إضافة إلى موريتانيا والمغرب، ليتمكنوا من التواصل مع بعضهم، وممارسة حياتهم دون ضغوط.. لاعتمادهم في حياتهم على التنقل الدائم للبحث عن لقمة العيش، وعن مأوى آمن من ضغوط أكثر صحارى العالم قسوة وجفافا وشظف عيش. كما يعقد الطوارق والعرب في مالي، آمالا عريضة على الدول العربية في أن تضع لهم الأولوية في برامج التنمية التي تباشرها تلك الدول في الخارج، وتقديم المساعدة التنموية لهم في صحرائهم، ومنح مهاجريهم فرص تعليم وعمل تنتشلهم من الأمية وتساعدهم في بناء مستقبلهم. الوضع القائم في إقليم الطوارق، يؤكد على أهمية إدارة الأزمة الحالية بشكل محكم يمنع تلاعب الأطراف الداخلية والخارجية بها، فكمية الأموال التي منحت في السابق كان من شأنها خلق أدنى أسباب الحياة في الصحراء.. ونزع فتيل التمرد لو تم توجيهها حسب أولويات التنمية التي من أهمها مد طرق للمواصلات، وبرامج التنمية البشرية. ويخشى المراقبون من تكرر الحالة السابقة، وأن تذهب كل البرامج الحالية دون إفادة سكان الصحراء منها. وقد رتب الطوارق تلك الأولويات التي تتمثل في توفير مياه صالحة للشرب في مواطنهم، حيث تشهد الصحراء سنويا عشرات الوفيات بسبب شح المياه. وبرامج صحية تحول دون وفيات الأطفال المتزايدة عاما بعد آخر. إذ لا توجد أية بنية أو مستوصفات صحية في مناطقهم. كما يلح الطوارق على برامج التنمية المستدامة وعلى رأسها سد النقص الكبير في مجال التعليم والتدريب المهني في منطقة معظم سكانها من الشباب الذين تحاصرهم الأمية.. ولا يحظون بأية فرص دراسية منظمة في الداخل والخارج، كما يطالب الطوارق بتواجد إعلامي يمكنهم من التواصل مع بعضهم ومع الآخرين في بلدانهم.. ويلاحظ الزائر لمالي عدم تواجد الطوارق في الإعلام المالي.. إلا فيما ندر.
كما تلح مطالب الطوارق بتغيير نظرة الماليين تجاههم، بعد أن غذت بعض وسائل الإعلام المالية الكره والعنصرية تجاههم، واعتبرتهم متمردين ودخلاء ومثيرين للقلاقل. ويظل الأمل كبيرا في بعض الأوساط بعد التحول السياسي الذي شهدته مالي بعد دخولها عصر التعددية السياسية، إذ تعيش الدولة المالية الآن عصر ديمقراطية فتية يعقد كل الماليين الآمال عليها.. في أن تفسح المجال أمام شتى الحريات وأنواع الممارسة الديمقراطية التي من شأنها أن تحفظ لكل مواطنيها خصوصيتهم وحقوقهم. ويحتضن البرلمان المالي الآن، وبعض الدوائر الرسمية عددا محدودا من الشخصيات الطارقية التي قررت التوجه للعمل داخل الأروقة السياسية للدولة المالية، لبدء ممارسة الحق الديمقراطي كنواب عن مواطنيهم، يتحدثون باسمهم وينقلون همومهم، ويأمل هؤلاء على خلق تيار متعاطف داخل الدولة المالية يناصر قضاياهم، ويؤازر جهودهم السياسية. ويعيش الرئيس المالي الحالي أمادو توماني توري بدوره آمالا عريضة في أن يعاد انتخابه لفترة ثانية في إبريل (نيسان) المقبل، ليتمكن من استكمال برامجه التنموية وآماله السياسية التي وعد بها.. بعد أن نجح في نزع فتيل «التمرد الأخير» وحالت سياساته دون اندلاع حرب في البلاد كما سبق وحدث في بداية التسعينيات.. ودشن الرئيس توري في وقت مبكر حملته الانتخابية في الشمال، حيث أعلن عن مشاريع في مناطق الشمال، على رأسها شبكة أولية للطرق في تمبكتو ينتظر أن تخفف من عزلة المناطق الشمالية، كما بدأت منظمة «أديرا» المدعومة من الحكومة المالية في مشاريع لتوفير المياه في أقاليم الطوارق. وتبقى المنطقة بانتظار مزيد من الداعمين والمانحين الدوليين لتتمكن من تجاوز عزلتها القاسية ومعاناتها الطويلة.. فهل سيلتفت المجتمع الدولي لها؟
كيدال
(شمال مالي)
عمر الآنصاري

ليست هناك تعليقات: